سوريا بعد الأسد- تحديات القيادة، استغلال الموارد، ومخاطر التدخل الأجنبي

المؤلف: عبداللطيف الضويحي10.30.2025
سوريا بعد الأسد- تحديات القيادة، استغلال الموارد، ومخاطر التدخل الأجنبي

إنَّ الإنجازَ الذي سطَّرهُ السوريون خلال الأسبوعين المنصرمين، من خلالِ السيطرةِ السريعةِ على أغلبِ المحافظاتِ السوريةِ، ووصولاً إلى قلبِ العاصمةِ دمشق، بل وإسقاطِ النظامِ بأقلِّ قدرٍ ممكنٍ من الفوضى، يُعدُّ عملاً بطولياً فذاً ومعجزةً بكلِّ ما تحملهُ الكلمةُ من معنى. وعلى الرغمِ من أنَّ هذهِ العمليةَ لم تكن، بكلِّ تأكيد، عملاً عسكرياً بحتاً بنسبةِ مئةِ بالمئة، بل كانت عبارةً عن تفاهماتٍ دوليةٍ وإقليميةٍ تجلَّتْ انعكاساتُها على أرضِ الميدان، ممَّا أدَّى إلى منحِ ضوءٍ أخضرٍ ميداني، ومن ثمَّ تحقيقُ ما ناضلتْ وثابرتْ لأجلهِ الثورةُ السوريةُ منذُ اندلاعِها في عامِ ألفينِ وأحدَ عشر، إلَّا أنَّ هذا الأمرَ لا يُقلِّلُ، بأيِّ حالٍ من الأحوال، من عظمةِ بطولاتِ وتضحياتِ الشعبِ السوريِّ في نضالِهِ المريرِ ضدَّ الظلمِ والاستبدادِ الذي مارسهُ النظامُ بحقِّهِ. أرى أنَّ القيادةَ هي فنٌّ ومهارةٌ وذكاءٌ وبعدُ نظر، والقائدُ الذي يجهلُ حجمَ الثرواتِ التي تزخرُ بها الأراضي السورية، من مواردَ طبيعيةٍ وبشريةٍ، وموقعٍ جغرافيٍّ استراتيجيٍّ فريد، هو قائدٌ يفتقرُ إلى الكثيرِ من المقوّماتِ الأساسيةِ للقيادةِ الرشيدة، بغضِّ النظرِ عن الظروفِ الإقليميةِ والدوليةِ والتحدياتِ الجسامِ التي تواجهُ البلاد. إنَّ ما تمتلكهُ سوريا من إمكاناتٍ ضخمةٍ، سواءٌ كانت مواردَ طبيعيةٍ أو ثرواتٍ بشريةٍ في المجالاتِ الزراعيةِ والصناعيةِ والتجاريةِ والتقنية، لا يحتاجُ أكثرَ من إدارةٍ حكيمةٍ وكفؤة، وليس بالضرورةِ إلى قيادةٍ استثنائية. انظروا إلى النجاحاتِ الباهرةِ التي حققها السوريون في بلدانِ اللجوءِ المختلفة، ففي غضونِ فترةٍ وجيزةٍ، استطاعوا تحريكَ عجلةِ التجارةِ والأعمالِ، والخوضَ في الكثيرِ من المهنِ والقطاعاتِ المتنوعة، ليصبحوا منافسين أقوياء بكلِّ ما للكلمةِ من معانٍ للعديدِ من الكفاءاتِ والعقولِ والسواعدِ الموجودةِ في تلكَ الدولِ والبلدان. إنني على درايةٍ كاملةٍ بحجمِ الفرحةِ الغامرةِ التي تغمرُ قلوبَ السوريين بزوالِ هذا النظامِ البائد، سواءٌ داخلَ سوريا أو خارجَها، ومن بينِ مختلفِ أطيافِ ومكوناتِ الشعبِ السوريِّ قاطبة، ولا أرغبُ إطلاقاً في تعكيرِ صفوِ هذهِ الفرحةِ العارمة، ولكنَّ ما تبقَّى من العملِ لإعادةِ بناءِ سوريا يفوقُ بكثيرٍ مجردَ إسقاطِ النظام. فالمتربصونَ بسوريا كُثر، وعلى رأسِهم الغربُ والإسرائيليون بطبيعةِ الحال. إنَّ السبيلَ الوحيدَ لإتمامِ المشروعِ السوريِّ الوطنيِّ والوصولِ إلى سوريا الجديدة، وسوريا المتجددةِ والنافعة، هو الاحتكامُ إلى إرادةِ الشعبِ السوريِّ بمختلفِ أطيافِهِ المتنوعةِ وكلِّ مكوناتِهِ، وعدمُ السماحِ لأيِّ طرفٍ خارجيٍّ بالتدخلِ في صياغةِ الدستورِ أو إعادةِ هيكلةِ الدولةِ ومؤسساتِها، بما في ذلكَ القواتِ المسلحة. اليوم، وبعدَ العدوانِ الإسرائيليِّ الغاشمِ على أطفالِ غزة، باتَ حتى الأطفالُ الصغارُ يدركونَ حجمَ الكراهيةِ والبغضاءِ المتأصلةِ ضدَّ كلِّ ما يمتُّ بصلةٍ إلى الانتماءاتِ العربيةِ والإسلامية. فلا تراهنوا على وعودِهم الزائفةِ ولا تثقوا بهم، فالعربُ والمسلمون مستهدفون على الدوام. فباعترافِ كبارِ مسؤوليهم، هم من قاموا بصناعةِ تنظيمِ داعش الإرهابيِّ ثمَّ يدَّعون زوراً أنهم يحاربونه، وكانت النتيجةُ هي قتلُ وتهجيرُ العراقيين والسوريين والليبيين والأفغان، وما زالوا مستمرين في مساعيهم الخبيثةِ لاستعادةِ المستعمراتِ الأوروبيةِ ونقلِ ملكيةِ الاستعمارِ من الأوروبيين إلى الأمريكيين. سوريا قادرةٌ، بعونِ اللهِ وذاتِها وبكوادرِها السوريةِ المخلصة، على أن تعودَ دولةً قويةً ومؤثرةً وفاعلةً في محيطِها الإقليميِّ والدولي، دون الحاجةِ إلى قتلةِ الأطفالِ في غزة وفي فيتنام وفي كمبوديا، فالعقولُ السوريةُ المهاجرةُ والمقيمةُ قادرةٌ على وضعِ دستورٍ عصريٍّ يلائمُ جميعَ السوريين، وقادرةٌ أيضاً على إدارةِ وتشغيلِ المؤسساتِ السوريةِ بكفاءةٍ واقتدار. إنَّ التجاربَ السوريةَ بعدَ اللجوءِ والهجرةِ أصبحتْ كبيرةً وعظيمةً ومُلهِمة، وكافيةً لإدارةِ وتشغيلِ سوريا على أكملِ وجه، تماماً مثلما أدارتْ ألمانيا والكثيرُ من البلدانِ الأخرى شؤونَها بنجاحٍ باهر، ولكن يجبُ الحذرُ كلَّ الحذرِ من نظامِ المحاصصةِ الطائفيةِ البغيضِ الذي فرضه الأمريكان في العراق لخدمةِ مصالحِهم ومشاريعِهم المشبوهةِ في المنطقة، بهدفِ إبقاءِ المنطقةِ تحتَ الهيمنةِ الصهيونيةِ والإدارةِ الإسرائيلية، فهو مشروعٌ خبيثٌ يهدفُ إلى تقسيمِ البلدانِ العربيةِ وتفتيتِها وتقديمِها على طبقٍ من ذهبٍ لإسرائيل. أخيراً، إنَّ استثناءَ أيِّ مكوِّنٍ من المكوناتِ السوريةِ الغنيةِ حضارياً والمتنوعةِ ثقافياً يشكِّلُ ثغرةً واسعةً ينفذُ من خلالِها المتربصونَ بمستقبلِ سوريا الزاهر، ويجبُ الاستفادةُ من تجاربِ الماضي، والحذرُ من نظامِ المحاصصةِ الطائفيةِ الذي تسببَ في تخريبِ العراقِ ولبنان، وتلافي ذلك في الدستورِ السوريِّ الجديد، حتى لا تذهبَ التضحياتُ ودماءُ الشهداءِ هدراً، ويترحَّمَ السوريون وأصدقاءُ سوريا على النظامِ البائد، كما حصلَ في ليبيا والسودان وغيرهما من البلدانِ التي عانت من ويلاتِ الحروبِ والنزاعات.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة